تعتبر الأوامر الملكية التي صدرت مؤخراً، انجازاً نوعياً جديداً، يضاف إلى الإنجازات السابقة، وهي خطوة مهمة في إطار الإصلاحات الهيكلية والإدارية للدولة...
قبل فترة قصيرة تم تغيير مسمى (هيئة التحقيق والادعاء العام) التي كانت ترتبط بوزارة الداخلية إلى مسمى (النيابة العامة)، ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، ولها استقلالية كاملة، وهذه خطوة جوهرية لتحقيق الفصل بين السلطات، الذي كان محل انتقاد واسع من قبل المنظمات الحقوقية الدولية، فقد كانت وزارة الداخلية، هي من يقبض من خلال رجال الضبط الجنائي في الأجهزة الأمنية، وهي من يحقق ويدعي امام المحاكم، من خلال هيئة التحقيق والادعاء العام، وهذا لا يتفق مع المعايير العدلية الدولية، التي ترى أن من العدالة والإنصاف الا تقوم جهة واحدة بالقبض والتحقيق في آنٍ واحد، فأدى هذا التعديل إلى الفصل بين السلطات، سلطة تقبض (السلطة التنفيذية، الأجهزة الامنية، رجال الضبط الجنائي)، وسلطة تحقق وتدعي أمام المحاكم (النيابة العامة) ، وسلطة تحكم (المحاكم القضائية).
هذا بالإضافة إلى أن ارتباط النيابة العامة والنائب العام بمجلس الوزراء مباشرة سيمنح الجهاز مرونة أكبر، وحركة أسرع، تختصر الكثير من إجراءات البيروقراطية الادارية، وتقفز فوق جميع الأعمال الروتينية الرتيبة، التي تكتظ بها دهاليز بعض أروقة القطاع العام، وتؤدي إلى سرعة تمرير المعلومات افقياً ورأسياً وصعوداً، ثم هبوطاً في شكل قرارات ، الأمر الذي من المتوقع ان يؤدي في نهاية المطاف إلى رفع كفاءة وكفاية اداء منسوبي الجهاز .
كما أن القراءة القانونية لهذه الأوامر، والفصل الذي تم، وانشاء جهاز (أمن الدولة) تبين أن الأمر ليس مجرد فصل من أجل الفصل، بل أن هناك أبعاد قانونية وحقوقية تضاف إلى البعد الأمني، الذي يتعلق بمهام وزارة الداخلية في حفظ الأمن والنظام، والعمل على التفرغ لضبط الأمن الداخلي والتركيز عليه، ومكافحة الجريمة العادية، عن طريق وقاية المجتمع منها قبل حدوثها (الشق الوقائي)، والذي يجب ان يحضى بالاهتمام الأكبر ، والنسبة الكبرى، (في بعض الدول يصل إلى 70%) ، ويبقى الشق العلاجي، وهي الإجراءات التي تتم بعد أن تكون الجريمة قد وقعت وانتهى الأمر، وهذه يجب ألا تزيد عن 30% بل تكون أقل من ذلك، ويتحدد نجاح اي جهة أمنية بارتفاع نسبة الشق الوقائي، وانخفاض نسبة الشق العلاجي، وقد كانت مكافحة الجريمة على النحو السابق ذكره تعاني كثيراً، نتيجة انشغال وزارة الداخلية بمكافحة الإرهاب، على حساب مكافحة الجريمة إلى حدٍ ما.
كما أن هذه الإجراءات ستعزز التنافسية الدولية للمملكة، لأن المملكة تقترب من تطبيق المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والإجراءات الأمنية، والعدلية، وحقوق المتهم من ساعة القبض عليه، إلى ساعة النطق بالحكم له او عليه، كما أنها لا تضع الجميع في إطار واحد، لأنها فصلت بين الجرائم العادية التي يمكن أن يرتكبها المواطن أو المقيم، ولا تؤثر على الوطنية والمواطنة، لأنها جرائم ترتكب لأسباب معينة، وظروف معينة، ولها عقوبات تتناسب معها، وبين جرائم امن الدولة، التي لها طابع معين، ومرتكبها أيضاً له طابع معين، وأهداف معينة، تختلف عن الجرائم الأخرى....
يبقى أمر هام فيما يتعلق بإصلاح وتطوير مهام وواجبات جهاز (أمن الدولة)، لأن هذا الفصل يجعل الوقت اكثر مناسبة من ذي قبل، ويمكن متخذي القرار ، أكثر من أي وقت مضى من اقتناص فرصة الفصل لتطوير آليات عمل جهاز أمن الدولة، وتقنين الجرائم والعقوبات التي تندرج ضمن اختصاصاته، وتقليص مساحة الإجتهاد فيها، لتحقيق العدل والإنصاف، وتغليب حسن الظن فيما يطرح من قبل المواطنين، وفتح قنوات التواصل والاتصال، والتفاعل مع ما يصدر عن الرأي العام في الشأن العام، ورفع سقف الحريات، وتوسيع دائرة المشاركة، وزيادة مساحة المباحات، وتقليل مساحة الممنوعات، ليكتمل عقد الإصلاح في هذا الجانب، وأنا على يقين بأن ذلك لن يغيب عن اذهان ولاة امرنا اعزهم الله.
حفط الله ولاة أمرنا ووطننا وشعبنا من كل مكروه.
تعليقات
إرسال تعليق