التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التعاطي الإعلامي مع الأزمات السياسية بين الدول

يبدو أن المنطقة العربية هي الوحيدة تقريباً على ظهر البسيطة على الأقل في الأربع عقود الأخيرة، التي عانت ولا زالت تعاني بشكل مستمر ويلات الحروب، بالرغم من أن ميثاق هيئة الأمم المتحدة لعام 1945، حرم صراحةً الحرب واستخدام القوة لحل وتسوية النزاعات الدولية (المادة 1/1) و (المادة 2/'4)، وأن على الدول اللجوء بدلاً من ذلك للوسائل السلمية بشقيها الدبلوماسي والقضائي لحل وتسوية نزاعاتهم (المادة 33)،  إلا أن نقل الدول العظمى الصراعات الى الشرق الاوسط، لتوفر البيئة العدائية جعل المنطقة برمتها على صفيحٍ ملتهب من الحروب المستمرة والدمار والأزمات والثورات والخيانات والمؤامرات والانقلابات العسكرية وغير العسكرية مع الاسف الشديد، مع توفر معظم العوامل والعناصر والمقومات التي يمكن أن تجمع هذه الدول، مثل وحدة الدين واللغة والثقافة والمصير المشترك وغيرها.

فبعد أن فشل عالمنا العربي في العيش والتعايش بأمن وسلام كما يفعل الآخرون، ها هو يسجل فشلاً اعلامياً ذريعاً، يضاف إلى سجله الحافل بكل انواع الفشل والتراجع، في الوقت الذي يتقدم فيه العالم المتحضر ، ويتطور في كل المجالات، غير آبه بنا، ومستغلاً في نفس الوقت ما نحن فيه من تيه وضياع، وبذلك تزداد الفجوة بين العالمين المتخلف والمتحضر، ولا عزاء للمتخلفين.

ففي كل مرة يمر بها عالمنا العربي بأزمة سياسية، تطفو على السطح ثقافة المجتمع السائدة، فقد سمعنا وقرأنا وشاهدنا كيف تناول الإعلام الآخر الأزمة التي حدثت في السابق بين السعودية ومصر، سواء كان الإعلام التقليدي او الإعلام الحديث، ومع كل ازمة سياسية جديدة (والأزمات السياسية تحدث دائماً في العلاقات الدولية)، يسقط الإعلام سقوطاً مريعاً، ويغوص في الوحل، وتغيب عنه الحكمة، وتحضر اللغة البذيئة ،والألفاظ السوقية، والصوت النشاز، والمهاترات الجوفاء ، والسعي الحثيث المسعور للانتصار للذات، بعيداً عن المصلحة العامة.

دائماً ما تُظهر الأزمات المستوى الحقيقي للوعي والثقافة السائدة للشعوب والمجتمعات، اسفاف، وكلام رخيص، وهبوط مهني وأخلاقي، وتناول بعيد كل البعد عن المهنية والموضوعية، والرقي والوعي في الطرح والنقد، وتساوى في ذلك المثقفون مع أنصاف المتعلمين والعربجية والبلطجية، في الإعلام المرئي والمسموع، والصحف الورقية والإلكترونية ، ووسائل التواصل الإجتماعي التي تعج بالغث والسمين، والنطيحة والمتردية، وكانت هي وقود الأزمة ومشعلها، وستعاني المنطقة من تبعات ما يحدث سنين وسنين، وما ينتج عنه من خسارة الشعوب لبعضها، ضاربة بمشاعر وأحاسيس بعضها البعض عرض الحائط.

يجب أن لا يؤثر قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول على علاقة الشعوب ببعضها ، لأن هذا يعتبر سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، ويخالف مبادئ وقواعد القانون الدولي منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 وحتى الآن، يؤيد ذلك ما سبقها من قواعد العرف الدولي والممارسات الدولية على مر العصور.

ستنحل الخلافات السياسية بين الدول مهما طال امدها، ففي عالم السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، بل مصالح مشتركة، أما الخلافات بين الشعوب فستحدث جرحاً عميقاً لن يندمل بسهولة، واذا اندمل فسيترك اثراً، يذكرهم به كل يوم وكل وقت.

عندما تم قطع العلاقات بين الدول العربية ومصر في أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، في عهد الرئيس المصري أنور السادات رحمه الله، ونقل جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس احتجاجا على ذلك، فقد حرصت جميع الدول على ألا يؤثر ذلك على علاقات الشعوب ببعضها، وبالفعل نأت الشعوب بنفسها عن أي تدخل في الخلافات السياسية ، ولم تتأثر مصالح تلك الشعوب ولا علاقتها ببعضها، ولذلك عندما أعيدت العلاقات بعد ذلك مع مصر، كان من السهل جداً عودة كل شيئ إلى ما كان عليه قبل قطع العلاقات.

تعليقات