التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بيان النيابة العامة .. بين حماية المجتمع وحرية الكلمة


كان بيان النيابة العامة الذي نشرته على موقعها بتاريخ 20  ذو القعدة 1438، متوازناً إلى حدٍ ما، وهو ما تضمن التأكيد على أهمية الكلمة في الحفاظ على توازن المجتمع وأمنه، وأكد على صلاحيات النيابة العامة في متابعة أي خطورة قد تهدد اعتدال المجتمع، والانحراف به إلى التشدد والتطرف، وضرب البيان أمثلة على ذلك بإثارة النعرات والكراهية والطائفية والتصنيفات الفكرية والمذهبية ومحاولات تضليل الرأي العام.

وأشار البيان إلى أن النيابة العامة ستقوم بتحريك الدعاوى الجزائية في جميع الجرائم، وأن أي مشاركة تحمل مضامين ضارة بالمجتمع أياً كانت مادتها وذرائعها ووسائل نشرها فإنها ستكون محل مباشرة النيابة العامة وفق نطاقها الولائي وبحسب المقتضى الشرعي والنظامي، ومن ذلك منشورات الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والمحاضرات والخطب والكتب ونحوها.

وقد أحسن البيان عندما أوضح أن النيابة العامة على وعي تام باحترام حرية الرأي، وحماية تلك الحرية والحفاظ على حصانتها المشروعة التي أثرى عطاؤها ونقدها الهادف جوانب متعددة، وحققت اسهاماتها الصادقة، الواعية والجريئة الكثير من المكتسبات للوطن، وأكد البيان على عزم النيابة العامة صيانة تلك المكتسبات، والمحافظة عليها، وأنها لا تنوي مصادرة حرية الكلمة المشروعة، كما لن تسمح بانحراف تلك الحرية عن جادة وعيها وانضباطها.

وبالإجمال، فإن هذا ما نحتاجه للسير في طريق الاعتدال والوسطية، ولكن يلاحظ أن البيان اشار إلى التشدد والتطرف، باعتبارهما ضد الاعتدال، وقد يقفز إلى ذهن المتلقي أن المقصود بالتشدد والتطرف هو الديني فقط، لأن السياق والأمثلة التي أوردها البيان بعد هذه العبارة قد توحي بذلك، وحبذا لو كان البيان أكثر وضوحاً في هذه الجزئية، لأنها مهمة ومحورية، لأن التشدد والتطرف يحدثان في الدين وفي غيره، فهناك التشدد والتطرف اليميني والتشدد والتطرف اليساري، وهما طرفي نقيض، وخطر على أمن المجتمع وتماسكه ووحدته، وكلاهما يصيب اللحمة الوطنية في مقتل، وكلاهما يجب أن يجرم لتحقيق الاعتدال في المجتمع ونبذ الانحراف والكراهية والتعصب بكافة أشكاله وأنواعه، وأياً كان مصدره.

وما من شك أن النيابة العامة تقوم عند تحريك الدعاوى الجزائية بتوصيف التهم الجنائية بما يتفق ونصوص الأنظمة والقوانين ذات الصلة بالجريمة، وعندما يكون التكييف القانوني مستوعباً لكافة أركان الجريمة وعناصرها القانونية بكل دقة ، فإنه لا يترك أي مجال للاجتهادات الشخصية والأهواء والميول، كما يؤمل أن توضح تلك الأنظمة والقوانين (سقف حرية الكلمة المشروع والواسع) ، و (المضامين الضارة بالمجتمع)، الواردة في البيان، وتحديد اطرها العامة، لإزالة أي لبس، وأي غموض قد يحدث نتيجة اختلاف التفسيرات القانونية للأنظمة والتشريعات ، أو عدم اكتمالها، من أجل أن يكون الجميع على علم ودراية، ليتم الالتزام والتقيد بها، وعدم تجاوزها، لتأتي بعد ذلك المحاسبة وتحريك الدعاوى الجزائية ضد كل متجاوز.

وانا على يقين بأن النيابة العامة يهمها أن تكون كل تلك الأمور واضحة، وأنها ستسعى لذلك في ظل ما تتمتع به من استقلالية تامة، وارتباط مباشر بالملك، وما لديها من كوادر وكفاءات وتجارب ثرية، لتكون بحق هي الحكم بين جميع مكونات المجتمع، ولديها القول الفصل إذا اختلفت الاقوال، باعتبارها ضمير المجتمع اليقظ، وحارسه الأمين، وأنها تهدف لإحقاق الحق ، وهذا سيعزز من مكانة المملكة وتصنيفها في مجال التنافسية الدولية لإقامة العدل والحفاظ على الحقوق والحريات.


تعليقات