التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل يمكن أن نكون دولة علمانية (2)


في الجزء الأول من هذه المقالة تحدثت عن النظام الأساسي للحكم في السعودية، الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27'/8'/1412 هـ، والذي أشار في مادته الأولى إلى أن المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. وأن الحكم فيها ملكي (المادة 5)، ويبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره (المادة 6)، وأن الحكم في السعودية يستمد سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله. وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة (المادة 7)، ويقوم الحكم على أساس العدل والشورى والمساواة، وفق الشريعة الإسلامية (المادة 8).

إذا، فيما يتعلق بالشأن الداخلي، وعلاقة الحاكم بالمواطنين ، نجد أنهم يبايعون الملك على كتاب الله وسنة رسوله، صل الله عليه وسلم،  وأنه لولا كتاب الله وسنة رسوله، لما كان هناك بيعة من الأصل، ولذلك فإن التخلي عن الشريعة الإسلامية كدستور للدولة يؤدي إلى انعدام هذا الرابط القوي الموجود حالياً بين الملك والمواطنين، الذين يؤمنون بحرمة الخروح عليه ، لأنهم بايعوه على كتاب الله وسنة رسوله، ولأن الشريعة التي هي دستور دولتهم تحرم نقض البيعة، والذين يؤمنون ايضًا بأن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهليه (من حديث رواه مسلم عن عبدالله بن عمر)، والذين يؤمنون كذلك بوجوب طاعة ولي الأمر في غير معصية الله.

هذا الرابط القوي بين ولي الأمر والمواطنين هو أقوى رابط على الإطلاق يمكن أن يكون بين حاكم ومواطنيه، لأنه من الدين، يلتزم به المواطنون عن ايمانٍ وقناعة، وديانةً ، يدينون الله به ، ويتقربون به إلى الله ، طاعة لله ، قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ)(سورة النساء أية 59).

أما فيما يتعلق بعلاقة السعودية بجميع المسلمين أينما كانوا، فإنها ايضًا علاقة قوية ومتينة،  لأن دستورها كتاب الله وسنة رسوله،  دين وعقيدة جميع المسلمين، يضاف إلى ذلك موقعها الجغرافي الذي يضم الحرمين الشريفين والأماكن المقدسة، التي هي مأوى أفئدة المسلمين وقبلتهم وأماكن أداء مناسكهم من حج وعمرة وزيارة وغيرها، وهذا في حد ذاته رابط قوي بين السعودية وشعوب العالم الاسلامي، الذين هم على ثقةٍ تامة أن قبلتهم ومقدساتهم الإسلامية في أيدٍ أمينة طالما كانت السعودية متمسكةً بكتاب الله وسنة نبيه دستوراً لها.

تجدر الإشارة الى أن هناك العديد من الدول العربية نصت انظمتها على أن الاسلام هو دستورها، فعلى سبيل المثال لا الحصر نص (الفصل 3) من دستور المملكة المغربية على: (الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية)، كما نصت (المادة 2) من دستور المملكة الاردنية الهاشمية على: (الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية)، فيما نصت (المادة 2) من دستور الجمهورية المصرية على: (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع)، في حين نصت (المادة 3) على: (مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية).

ولا يخفى على أحد أن هناك الكثير من المتربصين، يتمنون أن تخطوا السعودية خطوة نحو الدولة العلمانية، لأنهم يعلمون تماماً ماذا يعني هذا ، وماهي نتائجه، وكيف سيؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى زوال الرابط القوي الذي يربط الحاكم بالمواطنين بسبب التحول الى العلمانية، التي ليس من ابجدياتها ولا مبادئها البيعة الشرعية لولي الأمر على كتاب الله وسنة رسوله، مع زوال كل ما يتبع ذلك مما تمت الإشارة إليه بعالية.

كما أنهم يدركون تمام الإدراك كيف ستكون ردود أفعال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وشعورهم تجاه دولة علمانية تحتضن قبلتهم ومقدساتهم الإسلامية، وسيُهرع الكثير منهم لمحاولة الاصطياد في المال العكر، وستُطرح الكثير من الأفكار والسيناريوهات.

ولو جادل إحد بأن العلمانية فيها الكثير من الإيجابيات، فإن تلك الإيجابيات بلا شك موجودة في تعاليم الإسلام لو طبقها المسلمون كما ينبغي، أما الحكم على الإسلام من خلال أحوال المسلمين المتردية إلا من رحم الله، فهو ظلم، حيث يفترض أن يكون الحكم على الإسلام من خلال تعاليمه ومبادئه وقيمه ، والا يُتهم الإسلام نتيجةً لممارسات أتباعه الخاطئة، فهناك فرق كبير بين التعاليم والأنظمة والقوانين في حد ذاتها ، وبين تطبيقها وممارستها على ارض الواقع ، وفي حياة الناس وممارساتهم اليومية، فالخطأ في ممارسة أي نظام او التعدي عليه أو مخالفته لا ينقص من النظام في حد ذاته ، بل في من قام بمخالفته، وهذا من الأمور المستقرة في الفقه القانوني.

حفظ الله ولاة أمرنا ووطننا وشعبنا من كل مكروه.

تعليقات

  1. امين الله يحفظ لنا دييننا وبلادنا وحكامنا .مقال في قمة الروعه.تسلم دكتور حسين

    ردحذف

إرسال تعليق