التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في يوم الوطن .. يحيا الوطن (1)

استعاد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه الرياض في عام 1902م، والتي تعتبر عاصمة الدولة السعودية، التي أعلن عن توحيدها تحت اسم المملكة العربية السعودية عام 1932م، وبين التاريخين تم اكتساب معظم أراضي وأقاليم الدولة السعودية، فعن طريق استعادة الرياض في عام 1902م، أسس الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه مركز أو بؤرة الدولة السعودية،  التي من شأنها أن تكون الأساس والقاعدة التي تنطلق منها حملة اكتساب المزيد من أراضي وأقاليم شبه الجزيرة العربية، مدعوماً بولاء السكان لأسرة آل سعود التي تتمتع بتاريخٍ عريق وجذورٍ قوية تضربُ في أعماق تاريخ المنطقة القديم والحديث، هؤلاء السكان الذين عرفوا الاستقرار والأمن، والعقيدة الإسلامية الصحيحة.
يعتبر الجدار الذي أنشأه الملك عبد العزيز في عام 1902 م، أول حدود للرياض النواة السياسية للدولة السعودية، والذي كان الهدف منه  حماية عاصمة الدولة من غزوات المعارضين والمنافسين، ثم بدأت مساحة الدولة تتسع تدريجياً حول الرياض نواة الدولة ومركزها، نتيجة لاكتساب المزيد من الأراضي وكانت الأراضي المكتسبة حديثاً واحات ذات أهمية كبيرة بوصفها قاعدة غذائية رئيسة للمدينة، وحجر الزاوية في التجارة مع المناطق الأخرى.
ومن الناحية القانونية واستناداً إلى المبدأ المعروف في القانون الدولي بالقانون المطبق وقت وقوع الحدث أو(inter-temporal law) ،الذي يعني أن أي عمل يجب أن تقيم مشروعيته من عدمها في ضوء القانون المطبق عند القيام بذلك العمل، فانه يمكن القول بأن الفتوحات التي قادها الملك عبد العزيز لتوحيد المملكة العربية السعودية كانت مشروعة. ففي الفترة التي تم فيها توحيد المملكة من تاريخ فتح الرياض عام 1902م، وحتى إعلان توحيد المملكة رسمياً عام 1932م، لم يكن استخدام القوة محرماً في القانون الدولي، وكانت الحرب والفتوحات من الوسائل المشروعة لاكتساب ملكية الأقاليم، بشرط أن يعقب ذلك بسط السيادة والنفوذ الفاعلين على كامل المناطق التي تم فتحها وضمها، ونية الفاتح وقدرته على الحفاظ على تلك المناطق والأقاليم تحت سيادته وسلطته. 
يضاف إلى كل ما سبق أن الملك عبد العزيز استطاع أن يفرض سيادة الدولة وسلطتها بالطرق السلمية على كامل الأقاليم المفتوحة، ولا أدل على ذلك من إطلاقه مشروع توطين البادية الذي يهدف إلى تشجيع البدو الرحل على الاستقرار والزراعة بدلا من الانتقال من مكان إلى آخر بحثاً عن الماء والكلأ، ومساعدتهم في الحصول على مساكن مناسبة بدلا من السكن في الخيام، وتعليمهم كيفية زراعة واستصلاح الأراضي، فقد بنيت المساكن بالقرب من آبار المياه، وزودت بكامل الاحتياجات الضرورية المتوفرة آنذاك، كما تم إنشاء  المساجد، وعين لها أئمة تؤم الناس في الصلاة، ويعلمون الناس أمور دينهم، وحثهم على تطوير الزراعة والفلاحة، واحترام الحياة الإنسانية، والممتلكات الخاصة بالآخرين والكف عن غزو بعضهم البعض والنهب والسلب كوسيلة للعيش.
ومن الطبيعي أن لا يكون ممارسة سيادة الدولة الجديدة على كل جزء من أجزاء الدولة وفي كل وقت بنفس المستوى والكفاءة، حيث نجد أن سيادة الدولة في بداية إنشاءها قد تكون كاملة في بعض الأقاليم وناقصة في أقاليم أخرى أو قوية في بعض الأوقات وضعيفة في أوقات أخرى، تبعاً لظروف كل إقليم، وموقعه وطبيعته الجغرافية، وما إذا كان محل نزاع محتمل مع الدول المجاورة، فالمملكة عندما تم إنشاءها كدولة جديدة ليست استثناءاً من ذلك، حيث نجد أن ممارستها لسيادتها على أقاليمها التي تكونت منها يختلف من إقليم إلى آخر، ومن وقت لآخر، فتكون كاملة في بؤرة أو مركز الدولة التي بدأ منه تكوين الدولة (core area) وهي مدينة الرياض وما جاورها، وتتناقص كفاءة هذه السيادة كلما ابتعدنا عن المركز باتجاه أطراف الدولة، وهذا لا يؤثر مطلقاً على شرعية الدولة أو ملكية الأقاليم التي تم ضمها لها، فمن المستقر في القانون الدولي والممارسات الدولية "انه لا يمكن ممارسة السيادة الفعالة في كل وقت وفي كل جزء من أقاليم الدولة"
يضاف إلى قدرة الملك عبد العزيز على ممارسة سيادة الدولة على النحو السابق ذكره، اعتراف بريطانيا له عام 1915م باستقلالية الدولة السعودية ، في نجد و الإحساء والقطيف والجبيل والأقاليم الملحق بها، بموجب الاتفاقية السعودية-البريطانية التي وقعها الطرفان آنذاك. ومن ابرز ما تم الاتفاق عليه إضافة إلى اعتراف بريطانيا بالدولة الجديدة، هو اعترافها أيضا باستمرارية الحقوق التاريخية للملك عبد العزيز و آباءه من قبله، وأبناءه من بعده، وهذا ما عزز موقف المملكة التفاوضي في السنوات التي تلت ذلك عند مفاوضاتها على مسألة التسوية الحدودية مع الدول المجاورة، وقد أشارت الاتفاقية إلى أن الحدود الشرقية للدولة السعودية لم تعين بعد، وهي الحدود مع الدول التي كانت محميات بريطانية آنذاك، وهذا أيضاً كان يصب في مصلحة الدولة الجديدة، لان ذلك ترك الباب مفتوحاً لمناقشة الحدود الشرقية للمملكة فيما بعد، كما أن بريطانيا وقعت مع الملك عبد العزيز "اتفاقية جدة" عام 1927مـ، التي حلت محل اتفاقية 1915م، وأكدت الاعتراف بالدولة السعودية وسيادة الملك عبد العزيز المطلقة على جميع الأقاليم التي فتحها وضمتها إلى ذلك التاريخ.
وهذا يتفق تماماً مع قواعد القانون الدولي، حيث حددت المادة الأولى من معاهدة مونتيفديو Montevideo Convention) ) لعام 1933م ، الخاصة بحقوق وواجبات الدول، حددت عناصر الدولة في القانون الدولي حيث نصت على أن الدولة كشخصية قانونية لا بد وأن يتوفر فيها العناصر التالية: 
1.  سكان دائمون.
2. إقليم معين يقيم عليه أولئك السكان.
3. حكومة أو سلطة.
4. قدرة الحكومة على إقامة علاقات مع الدول الأخرى.

يضاف إلى توفر عناصر الدولة للدولة السعودية، اعتراف بريطانيا بها على النحو السابق ذكره، وهو المكمل لتلك العناصر، لان الاعتراف بالدولة من قبل المجتمع الدولي يلعب دورا رئيسا في تكوينها.
كما نجد أن الملك عبد العزيز بعد ضم الحجاز وتحديداً عام 1925م أرسل رسائل إلى حكومات: مصر، العراق، إيران، تركيا وأفغانستان يقول فيها "لا ارغب أن انصب نفسي حاكماً على الحجاز أو أن أسيطر عليه، فالحجاز أمانة في يدي حتى يأتي الوقت الذي يختار فيه الحجازيون حاكماً منهم، يعتبر نفسه خادماً للعالم الإسلامي، ويعمل تحت إشراف المسلمين جميعاً" وهذا يتفق تماماً من حق تقرير المصير للشعوب الذي نصت عليه لا حقاً الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان لعام 1966، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ونتيجة لذلك، اجتمع أعيان الحجاز وقرروا مصيرهم بأنفسهم ومنحوا الملك عبد العزيز لقب ملك الحجاز، ليصبح عام 1926م، ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، وبعد ثلاثة أشهر فقط،  حصل الملك عبد العزيز إلى ما يسمى في القانون الدولي بالاعتراف الشرعي (de jure) من كلٍ من بريطانيا، فرنسا، الاتحاد السوفيتي وهولندا، وفي نفس السنة دعا الملك عبد العزيز الدول الإسلامية إلى عقد مؤتمر إسلامي في مكة المكرمة، هذا المؤتمر الذي افتتح أعماله في  7يونيو1926م،  وحضره ستون ممثلا من دول العالم الإسلامي كان إشارة واضحة ــــ حسب قواعد القانون الدولي ــــ  إلى أن حكم الملك عبد العزيز أصبح أمرا واقعاً لا جدال فيه (fait accompli)، وبالتالي حصل على الاعتراف التدريجي من قبل جميع القوى الإسلامية الأخرى.
هذا الانتصار للملك عبد العزيز وهذا الاعتراف الواسع بدولته  لم يؤثر على موقفه الايجابي والداعم للتعايش بسلام مع جيرانه، حيث عبر عن ذلك في أكثر من مناسبة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما دُعي من قبل بريطانيا لتسوية الحدود بينه وبين الأردن،  فيما يتعلق بالسيادة على " مدينتي معان والعقبة"، عبر عن استعداده للتفاوض مع بريطانيا حول ذلك "في أي وقت وأي مكان"، وبناءاً على ذلك بدأت المفاوضات بينه وبين بريطانيا، ونظراً لرغبة الطرفان في تسوية الحدود بالطرق السلمية واستعدادهم لذلك، والتفاهم والمرونة المتبادلتان بينهم، فقد تم التوصل في اقل من شهر من المفاوضات إلى تسوية الحدود مع الأردن و توقيع "اتفاقية حده"، في الثاني من نوفمبر عام 1925م. كما وقع الملك عبد العزيز والسير (كلايتون (Clayton قبل ذلك وتحديداً في الأول من أكتوبر 1925م "اتفاقية بحرة". هذه الاتفاقية – التي مثلت فيها بريطانيا العراق - لم تكن لتسوية الحدود، وإنما كانت للاتفاق على مواضيع أخرى بين الدولة السعودية والعراق مثل تسليم المجرمين و تحركات القبائل على الحدود ووضع حد للغزو وتنظيم الرعي وغير ذلك.
كذلك بعث الملك المؤسس عبد العزيز برسالة إلى الإمام يحيى، جاء فيها: " لقد بذلت أقصى ما استطيع بذله لإقرار السلام واثبات الصداقة، بالرغم من تكرار اعتداءاتكم واكتساح جنودكم لبلدنا، وأرسلت الوفود تلو الوفود منذ سبع سنوات حتى أعياني أمركم، واستنفذت سائر الوسائل الممكنة، ولم يتبق لنا إلا أن نخبركم بالصراحة التي نراها واجبة علينا أننا توكلنا على الله .. على أداء الواجب  الذي يحفظ أمننا .. وباب السلم مفتوح متى أردتموه"،  والقراءة القانونية لما جاء في هذه الرسالة تحتاج إلى مقالٍ خاصٍ لدراسة ما احتوته من مبادئ وأحكام هي من صلب مبادئ وأحكام القانون الدولي المعاصر. وبعد حرب بين الطرفين تم التوصل إلى وقف إطلاق النار، وبعد مفاوضات طويلة وشاقة تم عام 1934م التوصل إلى اتفاق بين الطرفين ووقعت معاهدة الحدود التي سميت  "معاهدة صداقة إسلامية وأخوة عربية بين المملكة العربية السعودية والمملكة اليمانية" وتسمى أيضا بمعاهدة الطائف، ويلاحظ البعد الإسلامي في اسم المعاهدة.
ويمكن القول أن توقيع الملك عبد العزيز لبروتوكولي "العقير الأول والثاني"و اتفاقيتي "بحرة وحدة"، التي تم بموجبها تعيين الحدود بين الدولة السعودية وجيرانها في الشمال، وكذلك توقيعه لمعاهدة الطائف مع اليمن، ساهم مساهمةً فعالة في تطور العلاقات بين الدولة السعودية من ناحية وتلك الدول من ناحية أخرى، فما حدث يعتبر نقطة تحول جوهرية في العلاقات العربية-العربية، كما أدى ذلك إلى ترسيخ مبادئ القانون الدولي مثل مبدأ"السيادة الإقليمية، والاحترام المتبادل للاستقلال السياسي ووحدة الأرض وعدم التدخل في الشئون الداخلية والخارجية لكل دولة، إضافة إلى قبول مبدأ ترسيم الحدود على النحو المعروف في القانون الدولي، وكانت هذه هي المرة الأولي في التاريخ التي عرفت فيها الجزيرة العربية، الحدود السياسية الدولية بمعناها ِالقانوني الحديث.
حفظ الله ولاة أمورنا وشعبنا ووطننا من كل مكروه ،،

تعليقات