أولاً: الوضع القانوني للمنطقة الاقتصادية الخالصة Exclusive
Economic Zone
لم يتم
التوصل إلى اتفاق بخصوص المنطقة الاقتصادية الخالصة إلا المؤتمر الثالث لقانون
البحار الذي نتج عنه توقيع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م، والتي
عرفت المادة (55) منها المنطقة الاقتصادية الخالصة بأنها المنطقة الواقعة وراء
البحر الإقليمي وملاصقة له يحكمها نظام قانوني مميز تتحدد بموجبه حقوق وواجبات
الدولة الساحلية والدول الأخرى. ويجب ألا تمتد إلى أكثر من 200 ميل بحري من خطوط
الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي.[1]
ويعتبر إنشاء نظام المنطقة الاقتصادية الخالصة في غاية الأهمية وذلك لتأثيره
المباشر على توزيع ثروات البحار، إذ سيجعل جزءا كبيرا يقع تحت ولاية الدول
الساحلية. وبالنسبة لتعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدول
ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة نصت المادة (74) الفقرة
(1) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م، عل ما يلي:
"يكون تعيين حدود
المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة عن طريق
الاتفاق على أساس القانون الدولي، على النحو المشار إليه في المادة 38 من النظام
الأساسي لمحكمة العدل الدولية، من أجل التوصل إلى حل منصف."
أي أن ذلك يكون عن طريق الاتفاق على أساس القانون الدولي، على النحو المشار إليه
في المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، من أجل التوصل إلى حل
منصف، وتجدر الإشارة هنا أن المادة (38) من النظام
الأساسي لمحكمة العدل الدولية تتضمن أنه
يمكن للمحكمة أن تفصل في نزاع ما على أساس العدالة والإنصاف ex
aequo et bono، إذا وافق أطراف النزاع على ذلك[2].
كما أشارت الاتفاقية إلى أنه إذا لم يتم التوصل إلى أي اتفاق، فانه يجب على الدول المعنية حل
نزاعاتها بالطرق السلمية،[3] كما حثت الاتفاقية الدول المعنية بذل الجهود الممكنة للدخول في
ترتيبات مؤقتة ذات طابع عملي، دون المساس بتعيين الحدود النهائية، وذلك ريثما يتم
الاتفاق على تعيين حدود الجرف القاري بينهم، وان يتم التعامل بروح التفاهم
والتعاون خلال تلك الفترة الانتقالية،[4] وعند تعيين حدود الجرف القاري، فانه يتم رسم ذلك على الخرائط من
مقياس رسم ملائم، وتتم الإشارة إلى قوائم الإحداثيات الجغرافية، وتحديد المرجع
الجيوديسي Geodetic datum، كما على الدولة الساحلية الإعلان عن ذلك "الإعلان
الواجب"، وإيداع نسخة من كل خريطة أو قائمة لدى الأمانة العامة للأمم
المتحدة. [5] ويلاحظ هنا أنه لم تتم الإشارة المباشرة في
المادة (74) من اتفاقية 1982م، م إلى خط الوسط أو خط المسافات المتساوية لتعيين
حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدول المتقابلة أو المتجاورة.
وقد
حددت المادة (56) الفقرة (1) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م، الحقوق
التي تتمتع بها الدولة الساحلية في منطقتها الاقتصادية الخالصة، وذلك على النحو
التالي:
(1) حقوق
سيادية:
وذلك
بهدف استكشاف واستغلال الموارد الطبيعية الحية منها وغير الحية، للمياه التي تعلو
قاع البحر وقاع البحر وباطن أرضه، وحفظ هذه الموارد وإدارتها , وكذلك فيما يتعلق
بالأنشطة الأخرى التي تجري للاستكشاف والاستغلال الاقتصادي للمنطقة, كإنتاج
الطاقة من المياه والتيارات والرياح.
(2) حقوق
قضائية حصرية وهي:
أ)
إقامة
واستعمال الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات، (ويحق للدولة الساحلية هن تنشئ
منطقة حماية وأمان حول هذه الجزر الاصطناعية والمنشآت لا تتجاوز (500) متر.[6] ويجب على جميع السفن احترام
هذه المناطق الآمنة ومطابقا للمعايير الدولية المقبولة عموما بشأن الملاحة في محيط
الجزر الاصطناعية والمنشآت والهياكل ومناطق السلامة.[7]
كما يجب على الدولة الساحلية إرسال
الإخطار اللازم عند بناء هذه الجزر الاصطناعية والمنشآت أو الهياكل، والوسائل
الدائمة لإعطاء تحذير من وجودها للحفاظ عليها، كما يجب إزالة أية منشآت أو هياكل
يتم التخلي عنهم أو عدم استخدامها لضمان سلامة الملاحة، والصيد، وحماية البيئة
البحرية، وحقوق وواجبات الدول الأخرى مع مراعاة أي معايير دولية مقبولة، والتي
وضعت في هذا الصدد من قبل المنظمات الدولية المختصة، كما يجب الإعلان الواجب عن عمق
وأبعاد أي منشآت أو تركيبات لم تتم إزالة تماما.[8]
ب)
البحث
العلمي البحري.
ج) حماية
البيئة البحرية والمحافظة عليها.
(3)
الحقوق والواجبات الأخرى المنصوص عليها في الاتفاقية. ولعل أحد أهم هذه الحقوق ما
تتمتع به الدولة الساحلية من ممارسة حق المطاردة الحثيثة للسفينة الأجنبية التي
تنتهك قوانينها وأنظمتها المطبقة في المنطقة. وعلى الدولة الساحلية عند ممارستها
لهذه الحقوق مراعاة حقوق الدول الأخرى طبقا لهذه الاتفاقية.[9]
كما أن للدولة
الأخرى حقوقاً في المنطقة الاقتصادية الخالصة، كحريات الملاحة والتحليق ووضع
الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة وغير ذلك مما يتصل بهذه الحريات من أوجه استخدام
البحر المشروعة، كتلك المرتبطة بتشغيل السفن والطائرات ووضع الكابلات وخطوط
الأنابيب المغمورة، وفقاً لأحكام الاتفاقية.[10]
ثانيا: الوضع القانوني لمنطقة أعالي البحار
High Seas
عرفت المادة (86) من اتفاقية
الأمم المتحدة لقانون البحار منطقة أعالي البحار على أنها تلك المساحات البحرية
التي لا تشملها المنطقة الاقتصادية الخالصة أو البحر الإقليمي أو المياه الداخلية
لدولة ما، ومنطقة أعالي البحار هي منطقة متاحة للجميع وليس لأي دولة سيادة منفردة
عليها فهي تستخدم من قبل الجميع ولا يمكن امتلاكها أو السيطرة عليها من قبل أي أحد.
وهذا ما أكدته اتفاقيات قانون البحار، التي تقرر أيضاً أن حريات أعالي البحار حق
مشاع لكل الدول -الساحلية منها وغير الساحلية-وتُمارس وفقاً لأحكام القانون الدولي
ومما تشمله تلك الحريات ما يلي:[11]
1-حرية الملاحة.
2-حرية التحليق.
3-حرية صيد الأسماك.
4-حرية وضع الكابلات وخطوط الأنابيب
المغمورة.
5-حرية البحث العلمي.
6-حرية إقامة الجزر الاصطناعية
وغيرها من المنشآت المسموح بها بموجب القانون الدولي.
1.استثناءات
حرية أعالي البحار
تأسيسا
على ما تقدم فان كافة الدول-ساحلية وغير ساحلية-تتمتع وعلى قدام المساواة بحريات
أعالي البحار المذكورة أعلاه، وهو ما يعني في حقيقة الأمر خضوع السفينة في أعالي
البحار للاختصاص التشريعي والتنفيذي والقضائي لدولة العلم، إلا أن المصلحة العامة
للجماعة الدولية في جوانبها الإنسانية والأمنية والاقتصادية تحتم وجود بعض الاستثناءات
على ذلك المبدأ، وأهم هذه الاستثناءات ما يلي:
1.1. منع الاتجار بالرقيق Translate of slaves
تُلزم
المادة (99) من اتفاقية الأمم المتحدة للبحار كل دولة باتخاذ التدابير اللازمة
لمنع ومعاقبة نقل الرقيق في السفن المأذون لها برفع علمها، ومنع الاستخدام غير
المشروع لعلمها في هذا الشأن،[12]
فالاتجار بالرقيق جريمة دولية موجهة ضد الإنسانية، وحظر ممارستها من القواعد
الدولية العرفية الآمرة التي لا يمكن تغييرها أو محو آثارها القانونية الملزمة،
حتى لو تم الاتفاق على ذلك. بل أن اتفاقية الأمم المتحدة للبحار تؤكد على أن أي
عبد يلجأ على ظهر أي سفينة، أياً كان علمها، يصبح حراً بحكم الواقع ipso
facto.
2.1.
مكافحة القرصنة البحرية Piracy
عرفت
المادة (101) من اتفاقية الأمم المتحدة قانون البحار القرصنة بأنها أي عمل غير
قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو السلب، يُرتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم أو
ركاب سفينة أو طائرة خاصة ويوجه ضد سفينة أو طائرة أخرى أو أشخاص أو الأموال
الكائنة على متنها في منطقة أعالي البحار أو في أي مكان غير مشمول بولاية أية
دولة. ويدخل ضمن هذا المفهوم الأعمال المشابهة التي تقوم بها سفينة بحرية أو
حكومية أو طائرة حكومية تمرد طاقمها واستولى على زمام السفينة أو الطائرة. في هذه الحالة،
تفقد السفينة التي تمارس القرصنة أي رابطة بدولة العلم، ويصبح من واجب أي سفينة
حربية أو حكومية أياً كانت تبعيتها القيام بزيارة وتفتيش هذه السفينة، وحجزها،
واحتجاز طاقمها, وتقديمهم إلى المحاكم الوطنية التي تقرر بحسن نية العمل أو
الإجراءات التي ستتخذ بشأنها مع مراعاة حقوق الدول الأخرى[13]
3.1. مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المؤثرات
العقلية
suppression
of illicit traffic in narcotic drugs or psychotropic substances
تعتبر جريمة الاتجار
بالمخدرات او المؤثرات العقلية من الجرائم الدولية التي تتفق جميع الدول عليها، لذلك، نجد أن اتفاقيات
قانون البحار منحت الحق لجميع الدول في مكافحتها وتعقبها والقبض على مرتكبيها
وتقديمهم للمحاكمة، أياً كان موقعهم، حتى ولو كانوا في اعالي البحار، فقد نصت
المادة (108) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام
1982م، على ما يلي:
1. تتعاون جميع الدول في
قمع الاتجار غير المشرع بالمخدرات أو المؤثرات العقلية، بواسطة السفن في اعالي البحار، وبما يخالف الاتفاقية الدولية.[14]
2. لأي دولة، يكون لديها
أسباب معقولة، للاعتقاد بان سفينة ترفع علمها، تقوم بالاتجار غير المشروع بالمخدرات
أو المؤثرات العقلية، أن تطلب تعاون دول أخرى لقمع ذلك.[15]
وتجدر الإشارة هنا، أن
الاتفاقية لم تمنح الدول حق قمع الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المؤثرات العقلية
في أعالي البحار لسفينة ترفع علم دولة أخرى دون التشاور والتنسيق مع تلك الدولة،
حيث انة مثل هذا التشاور والتنسيق ضروري لإضفاء الشرعية الدولية على قيام تلك
الدول لإيقاف سفينة دولة اخرى في اعالي البحار، كما أن الاتفاقية، منحت الدولة
صاحبة العلم الحق في طلب المساعدة من الدول الأخرى لقمع الاتجار غير المشروع
بالمخدرات التي تقوم به إحدى السفن التي ترفع علمها، وليس أي دولة اخرى تطلب
المساعدة حتى ولو كانت ستتضرر من ذلك
الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المؤثرات العقلية.[16] وعى كل حال، فان الاتفاقيات الثنائية التي تبرمها الدول في هذا المجال
سيساهم في التعاون في قمع الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المؤثرات العقلية في اعالي البحار.
4.1.
منع البث الإذاعي غير المصرح به Unauthorized
Broadcasting
عرفت
المادة (109) من الاتفاقية البث الإذاعي غير المصرح به بأنه إرسال الإذاعات
الصوتية أو التلفزيونية من سفينة أو منشأة في أعالي البحار بهدف استقبالها من عامة
الجمهور بما يخالف الأنظمة الدولية.[17]
وتحث الاتفاقية اتفاقية الأمم المتحدة أطرافها إلى التعاون من اجل قمع البث
الإذاعي غير المصرح به،[18]
وتمنح الحق في زيارة وتفتيش السفينة التي تعمل فيه من قبل السفن الحربية لأية
دولة. كما تجيز محاكمة أي شخص يعمل في مثل هذا النشاط أمام محاكم دولة العلم، أو
دولة تسجيل المنشأة أو الدولة التي يكون الشخص من رعاياها أو الدولة التي يمكن
استقبال البث فيها أو الدولة التي يسبب البث تشويهاً على اتصالها. [19]
5.1. زيارة وتفتيش السفن
المجهولة أو المشتبه في هويتها Unknown
or Suspicious Ships
يفرض
القانون الدولي على كل سفينة أن تظهر جنسيتها من خلال رفع علم الدولة التي تنتمي
إليها. وان لم تفعل، كان لأي سفينة حربية
الحق في أن تأمرها بذلك. وإذا توافرت أسباب معقولة للاشتباه في أنها بدون جنسية،
أمكن لتلك السفن الحربية اقتحامها وتفتيشها.
كما يجوز ذلك عند الاشتباه في أن السفينة تحمل نفس جنسية السفينة الحربية،
رغم رفعها لعلم أجنبي أو رفضها إظهار علمها.[20]
6.1. حق مواصلة المطاردة
الحثيثة في أعالي البحار Right
of Hot Pursuit
من حق
الدولة الساحلية مواصلة مطاردة السفينة الأجنبية التي ترتكب مخالفة لأنظمتها وقوانينها
في مياهها الداخلية أو بحرها الإقليمي، أو منطقتها المجاورة، أو منطقتها الاقتصادية
الخالصة أو على امتدادها القاري. حتى وان وصلت تلك السفينة الأجنبية إلى أعالي
البحار، حيث يمكن القبض عليها هناك.
7.1.
المحافظة على الثروات الحية لأعالي البحار Preserving the living wealth of the high seas
حتى وإن
كانت حرية الصيد تعتبر إحدى الحريات التقليدية لأعالي البحار، إلا أن هناك قيوداً
على هذا الحق, تتمثل في ضرورة تعاون جميع الدول عن طريق اتخاذ التدابير اللازمة
نحو رعاياها الذين يعملون بصيد الأسماك أو الثروات البحرية الحية الأخرى في منطقة
أعالي البحار من أجل المحافظة على هذه الثروات من الاستتراف، وينبغي على الدولة أن
تتعاون في سبيل تحقيق هذه الغاية.
[2] الفقرة (2) من نفس المادة.
[3] المادة (74) الفقرة (2) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار
لعام 1982م، كما أنه تمت الإشارة إلى إجراءات التسوية السلمية للنزاعات البحرية في
الجزء "الخامس عشر" من الاتفاقية.
[4] المادة (74) الفقرة (3) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار
لعام 1982م.
[7] المادة (60) الفقرة (6) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982م.
[8] المادة (60) الفقرة (3) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982م
[9] المادة (56) الفقرة (2) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982م.
[11] راجع: Brown، the International Law of the Sea، vol. 1, England,
Dartmouth Publishing Company, (1994 ), pp.314-325.
[13] المادة (105) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982م.
[14] المادة (108) الفقرة (1) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982م.
[15] المادة (108) الفقرة (2) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982م.
[16] انظر: Brown، The International Law of the Sea, vol. 1, England , Dartmouth
Publishing Company, (1994), p.311.
[17] المادة (109) الفقرة (2) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982م.
[19] المادة (110) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982م.
[20] المادة (110) من اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982م.
تعليقات
إرسال تعليق