التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الوسائل السلمية لتسوية وحل النزاعات الدولية


على الرغم من أن جميع أحكام ومبادئ وقواعد القانون الدولي تهدف إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، فإنه لا بد من القول إن النزاعات الدولية هي جزء لا يتجزأ من العلاقات الدولية، تماما كما هي النزاعات بين الأفراد في المجتمع الواحد، أمر لا مفر منه في العلاقات الداخلية، فإن كذلك الحال في النزاعات بين الدول، هذا يجب أن يُقبل ويجب التعامل معها بالوسائل السلمية، ولأن الهدف الأساسي للقانون الدولي هو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، فإنه لا يجوز استخدام القوة لحل النزاعات الدولية بأي حال من الأحوال، وقد تجسد مبدأ تسوية وحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية في المادة (1) الفقرة (1) من ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي تنص على أن: "من مقاصد الأمم المتحدة الحفاظ على الأمن و السلم الدوليين" عن طريق منع الأخطار التي تهدد السلم وقمع أعمال العدوان ، وتسوية النزاعات الدولية بالوسائل السلمية، ولذلك، فان على الدول أن تسوي نازعاتها الدولية بالوسائل السلمية، وليس عن طريق اللجوء إلى استخدام القوة، ويمكن القول أن النتيجة الطبيعية لهذا المبدأ هو حظر استخدام القوة لتسوية النزاعات الدولية المنصوص عليها في المادة (2) الفقرة (3) من ميثاق هيئة الأمم المتحدة على "جميع الأعضاء تسوية نزاعاتهم الدولية بالطرق السلميّة بما يضمن عدم تعرض الأمن والسلم الدوليين والعدالة للخطر"، كما نصت الفقرة (4) من نفس المادة على "جميع الأعضاء الامتناع في علاقاتهم الدولية عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد وحدة الأرض أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو اللجوء لأي طريقة أخرى لا تتفق مع أهداف هيئة الأمم المتحدة"، يضاف الى ذلك أن إعلان الجمعية العموميّة لهيئة الأمم المتحدة لمبادئ القانون الدولي لعام 1970م المتعلق بالعلاقات الأخوية والتعاون بين الدول أكد على ضرورة تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية وعدم اللجوء لاستخدام القوة.
       وقد ترك ميثاق هيئة الأمم المتحدة لأطراف النزاع الحرية في اختيار الطريقة الأكثر ملائمة لهم لحل نزاعاتهم، حيث نصت المادة (33) الفقرة (1) من الميثاق على الاتي:
 "على أطراف النزاع الذي يؤدي استمراره إلى تعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر أن يسعوا لحل النزاع بالمحادثات، وتقصي الحقائق، والتوسط، والتحكيم، والوسائل القضائية، واللجوء إلى المنظمات الإقليمية، وغيرها من الوسائل والطرق السلمية التي يختارونها".
ومن الناحية التقنية والمهنية، فانه يمكن تقسيم الوسائل السلمية لحل النزاعات الدولية إلى قسمين:
القسم الأول: الطرق أو الوسائل الودية (amicable means) وتشمل: المحادثات، والمساعي الحميدة، والتحقيـق (تقصي الحقائق)، والتوسط، والتوفيق(المصالحة).
القسم الثاني: الوسائل القضائية (judicial means) وتشمل: التحكيم الدولي (arbitration) واللجوء إلى محكمة العدل الدولية International Court of Justice)).

ولكن ما هو مفهوم وطبيعة النزاعات الدولية؟
على الرغم من حقيقة أنه لا يوجد تعريف محدد للنزاعات الدولية، ينبغي أن يفهم مفهوم النزاع بمعناه الواسع وغير التقني، فقد ينشأ نزاع بين دولتين أو أكثر من الدول بمجرد تعارض وجهات النظر حول موضوع أو مسألة ذات اهتمام المشترك، وفي هذا الصدد، اعتمدت المحكمة الدائمة للعدل الدولي  The Permanent Court of International Justice ، في قضية  Mavrommatis Palestine Concessions ، اعتمدت التعريف التالي للنزاع وهو: "عدم الاتفاق على مسألة قانونية أو حقيقة، والصراع بين وجهات النظر القانونية أو المصالح بين شخصين من اشخاص القانون الدولي".[1]
وفيما يتعلق بالنزاعات على الساحة الدولية، فإنها لا تنشأ بين الدول فقط، وإنما تنشأ أيضا بين الدول والمنظمات الدولية، أو بين هذه المنظمات أنفسها، أو بين الدول والأفراد، وغالبا ما يتم تقسيم النزاعات الدولية من حيث طبيعتها إلى:
1.النزاعات القانونية، أو الخاضعة للوسائل القضائية
2.النزاعات السياسية، أو غير الخاضعة للوسائل القضائية
ومع ذلك، فإنه من الصعب، من الناحية العملية، تحديد الفرق بدقة بين النزاعات القانونية والسياسية؛ لأن ذلك يعتمد على الظروف الخاصة بكل قضية، وكذلك من وجهات النظر التي اعتمدتها الأطراف ذات الصلة، كما أن التصنيفات معقدة جدا ومتداخلة لأن معظم النزاعات تحتوي على عناصر قانونية وسياسية، من ناحية أخرى، فإن مثل هذه التصنيفات مهمة وضرورية من الناحية النظرية لمناقشة الطريقة التي يتعين استخدامها لتسوية النزاعات.
فيمكن تسوية النزاعات السياسية بالطرق الدبلوماسية، والتي تأخذ في الحسبان الاعتبارات السياسية ومحاولة حل الخلافات عن طريق التفاوض إما مباشرة بين الأطراف أنفسهم أو بمساعدة الكيانات الأخرى عن طريق استخدام أساليب المناقشة وتقصي الحقائق، ومن ناحية أخرى فالنزاعات القانونية ينبغي أن تسوى بالطرق القانونية، والتي يطبق عليها القانون، وبعد النظر من قبل طرف ثالث محايد النزاعات وتسويتها من المسائل القانونية والواقعية المسائل التي ينطوي عليها، سواء عن طريق التحكيم أو بقرار من الهيئات القضائية.
ومع ذلك ، يمكن تقسيم النزاعات الدولية من حيث الخطورة إلى ثلاث فئات:
أولا: تلك التي تؤدي إلى نزاع مسلح،
ثانيا: تلك التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم والامن الدوليين أو توتر خطير بين الدول،
ثالثا: تلك التي لا يرجح أن تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر.

فيما يتعلق بهذه الفئات، فإن إجراءات تسويتها مختلفة بعض الشيء، ففي حالة من الفئة الأولى من النزاعات، فإن الخطوة الأولى تتمثل في محاولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار وجمع الأطراف معا على طاولة المفاوضات، في مثل هذه الحالة، فإنه من الضروري تقديم المساعدة من طرف ثالث من أجل المساعدة في كسر الجمود وفتح الطريق أمام الاتصالات بين الطرفين، طالما هناك مواجهة عسكرية بينهما، قد يكون من الصعب للغاية عليهما إقامة اتصالات مباشرة بدون تدخل طرف ثالث.
أما في حالة الفئة الثانية من النزاعات، فعلى الرغم من أنه ينطوي على مصالح حيوية، فإنه من الواضح أن فرص تسوية النزاع هي أفضل بكثير من الفئة الاولى التي نشب بينهما نزاع مسلح، ومن الامثلة على هذا النوع من النزاعات: النزاع بين الهند وباكستان بشأن كشمير، والنزاع بين اسبانيا والمملكة المتحدة على جبل طارق، ومن حسن الحظ أن النزاعات الدولية من الفئتين الأولى والثانية التي تصعب وتتعقد تسويتها فهي تمثل أقلية بين جميع النزاعات، فغالبية النزاعات تقع ضمن الفئة الثالثة، التي لا تتسم بأهمية أكبر ، والتي ليس من المرجح أن تشكل خطراً على السلم والامن الدوليين، ومن الممكن أنه حتى في هذه الحالات، قد ترغب الأطراف في اللجوء إلى إجراءات يتدخل فيها طرف ثالث، بهدف حرصها وتمسكها بحقوقها السيادية ، ولذلك يكون التقدم نحو إيجاد حل بطيئاً، وقد يؤجل لسنوات أو حتى عقود كما حدث، على سبيل المثال، في نزاع أمباتييلوس بين اليونان والمملكة المتحدة قبل احالته في نهاية المطاف إلى محكمة العدل الدولية. ومع ذلك، فإن وسائل تسوية النزاعات الدولية تختلف وفقا لتلك الفئات المختلفة، وبعبارة أخرى، يمكن تناول كل فئة من النزاع مع باستخدام وسائل مختلفة للتسوية، والتي تعتبر الأكثر ملائمة لهذا النوع من النزاع.



[1] انظر: Waldock, International Disputes: The Legal Aspect, (London, 1972), Europa Publications, , p. 57.


تعليقات