من المعروف على نطاق واسع، أنه وفقا لقانون المعاهدات، فان الانسحاب
من أي اتفاقية أو معاهدة من جانب أي طرف من الأطراف، لا يكون قانونياً إلا إذا كان
وفقاً لأحكام المعاهدة نفسها، أو وفقا ًلأحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات،[1]
كما أن المادة (60) الفقرة (1) من اتفاقية فيينا لعام 1969 م، بشأن
قانون المعاهدات، نصت على أن أي انتهاك جوهري لالتزامات المعاهدة من طرف واحد يعطي
الحق للطرف الآخر في إنهاء أو تعليق المعاهدة على أساس مثل هذا الانتهاك.
ولتوضيح المزيد حول الانتهاك
الجوهري لمعاهدةٍ ما ، وكمثال على حالات الانتهاك الجوهري للمعاهدات، يمكن في هذا
السياق أن نشير إلى قضية Rainbow
Warrior case في
1985 م،[2] عندما قام اثنين من الوكلاء الفرنسيين بتدمير Rainbow Warrior في
مرفأ في نيوزيلندا، وبعد الوساطة التي قام بها الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة
آنذاك، وقّعت كلا من فرنسا ونيوزيلندا اتفاقية في عام 1986 م،[3] تم بموجبها الاتفاق على انتقال العميلين الفرنسيين
إلى قاعدة عسكرية فرنسية في المحيط الهادئ، حيث كان عليهم البقاء فيها لمدة ثلاث
سنوات، وعدم مغادرتها بدون موافقة متبادلة من كلا الطرفين، ومع ذلك، فقد سمحت فرنسا
بمغادرة العملاء لفرنسا، قبل انقضاء مدة ثلاث سنوات، دون الحصول على موافقة من
نيوزيلندا، وكانت اتفاقية عام 1986 م، بين نيوزيلندا وفرنسا، قد تضمنت شرطاً للتحكيم،
والذي لجأت إليه نيوزيلندا، وتم، على اثر ذلك إجراء التحكيم بين فرنسا ونيوزيلندا في
عام 1990م، حيث قررت المحكمة أن فرنسا قد ارتكبت انتهاكاً خطيراً لاتفاقية عام
1986م، من خلال السماح لعملائها بمغادرة الجزيرة قبل انقضاء فترة الثلاث سنوات.[4]
وفيما يتعلق بوجهة نظر القانون الدولي
حول الافعال التي يرتكبها رعاياها والرعايا الأجانب الذين يعيشون على أرضها، فإن من
واجب الدولة، قدر استطاعتها، منع من ارتكاب أي أفعال قد تضر بأي دولة أخرى.[5] ومع ذلك، فإنه من المستحيل، عملياً، على أي دولة
منع جميع الأفعال الضارة، التي يرتكبها الأشخاص العاديين ضد أي دولة أجنبية، ولذلك،
فإنه وفقاً للقانون الدولي، فان الدولة تكون مسئولة فقط عن الأفعال الرسمية التي
يرتكبها موظفوها أو ممثلوها الرسميين، وفي هذا الصدد، نجد أن لجنة القانون الدولي نصت
في مشروع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول، على أن تصرف أي جهاز من أجهزة الدولة،
سواء كان يتمتع بهذه الصفة بموجب القانون الداخلي للدولة، أو ليس جزءا من البنية
الرسمية للدولة، يعتبر عملا من أعمال الدولة.[6] في قضية الدبلوماسيين والقنصليين الأمريكيين في
طهران (قضية الرهائن في طهران)،[7] قررت محكمة العدل الدولية أن الهجوم الأولي على
سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في طهران من جانب المتشددين لا يمكن أن ينسب إلى
إيران، وبالتالي فإنه لا يمكن أن تكون مسئولةً عنه، لان هؤلاء المتشددين لم يكونوا
موظفين إيرانيين ولا ينتسبون لأيٍ من أجهزة الدولة.[8]
وفيما يتعلق بعدم الاحتجاج رسمياً من الدولة المتضررة
من أي فعل ضار بها من قبل دولة أخرى، فان عدم الاحتجاج قد يفسر بعدم اعتراضها عليه
وقبولها به. ووفقاً للقانون الدولي، فان القبول وعدم الاعتراض يحدث عندما يكون
هناك فعلاً من قبل دولةٍ ما يستوجب الاحتجاج من قبل دولة أخرى، ولم يتم هذا
الاحتجاج[9]، وخصوصا عندما يكون الوضع مهم وحاسم.
في قضية المصائد الانجليزية-النرويجية
Anglo-Norwegian Fisheries case،[10] عام 1951م، بين بريطانيا والنرويج، التي نتجت عند
بسبب قيام النرويج، بدلا من
قياس عرض البحر الإقليمي من خط أدنى جزر،[11] قامت بإنشاء سلسلة من خطوط الأساس المستقيمة تصل
بين أجزاء أبعد نقطة على امتداد تعرجات الجزر والصخور التي توازي الساحل النرويجي.
وقد قضت محكمة العدل الدولية بأن
بريطانيا، باعتبارها قوة بحرية معتبرة، ولها مصالح في المياه النرويجية، لابد أن تكون
على علم بالأسلوب النرويجي المتبع في رسم خطوط الأساس، وأنه لا عذر لها في عدم الاحتجاج،
سيما وان ذلك كان ذا صلة في إثبات الملكية التاريخية التي كانت تطالب بها.[12]
[6] انظر: المادتين
(5) و(7) الفقرة (2) من مشروع لجنة
القانون الدولي في المواد المتعلقة بمسؤولية الدولة.
Articles 5 and 7(2) of International
Law Commission’s Draft Articles on State Responsibility.
[8] نفس المرجع، ص ص 34-35.
[10]
انظر القضية في تقارير محكمة العدل الدولية لعام 1951من ص 116.
The Anglo-Norwegian Fisheries case, ICJ Reports, 1951, 116.
[11]
جرى العمل الدولي على اعتبار خط الأساس هو خط أدنى جزر على طول ساحل الدولة
الساحلية، ويستثنى من ذلك حالة وجود بعض التعرجات والانحناءات التي تتطلب الانحراف
عن الاتجاه العام لخط الساحل، وفي هذه الحالة تكون خطوط الأساس المستقيمة هي الحل
عندما يكون من الصعب تطبيق خط الأساس العادي.
[12]
انظر القضية في تقارير محكمة العدل الدولية لعام 1951من ص 138.
The Anglo-Norwegian Fisheries case, ICJ Reports, 1951, p.138
تعليقات
إرسال تعليق